د. أزهار الشقاق: نبراس التميّز في طب حساسية الأطفال والمناعة بالأحساء
إن الحديث عن الدكتورة أزهار عبدالله عبدالوهاب الشقاق هو حديث عن مسيرة علمية ومهنية استثنائية، وعن شخصية صاغت إنجازاتها بالصبر، والاجتهاد، والشغف الحقيقي بالعلم والطب. فمنذ خطواتها الأولى في التدريب، تحديدًا منذ أيام البورد السعودي والعربي في طب الأطفال، برزت بوصفها واحدة من أكثر المتدربين جدّية والتزامًا وذكاءً سريريًا، حتى أصبحت من الأسماء التي يُشار إليها بالبنان في كل محطة مرّت بها.
ولم يكن هذا التميّز مجرد تفوق فردي؛ بل كان مقدّمة لمكانة رائدة جعلتها أول استشارية حساسية ومناعة أطفال في محافظة الأحساء بوزارة الصحة، في إنجاز مهني يسجل لها وللمحافظة ولمنظومة الرعاية الصحية.
وهي تعمل حاليًا استشارية حساسية ومناعة أطفال في مستشفى الملك فيصل بالهفوف، مواصلةً رسالتها العلمية والإنسانية بكل اقتدار وتميّز.
قد عرفتها شخصيًا منذ كانت في السنة الثانية من برنامج البورد في طب الأطفال بمستشفى الولادة والأطفال بالأحساء، وكنت أرى فيها منذ ذلك الوقت ملامح طبيبة مختلفة؛ طبيبة لا تكتفي بأداء الواجب، بل تبحث دائمًا عن العمق في المعلومة، ودقّة التشخيص، وتطوير الذات. كانت أسئلتها نابضة بالفضول العلمي، وملاحظاتها السريرية متميّزة، وثقتها بالنفس مبنية على معرفة وليس على ادعاء. ولهذا لم يكن مستغربًا أن تتخرج بامتياز، وأن تخطو مسارًا مغايرًا نحو تخصص نادر ودقيق: أمراض الحساسية والمناعة السريرية للأطفال.
وكان لي الشرف في المشاركة في تدريبها أيام التحاقها بالبورد السعودي حيث كانت في السنة الثالثة من البرنامج، وهي مرحلة كنت أرى فيها ملامح نبوغ مبكر، وحرصًا استثنائيًا على التعلم، ووعيًا مهنيًا يسبق سنوات خبرتها. توجت حياتها العلمية بحصولهما على البورد السعودي والبورد العربي في اختصاص طب الأطفال.
بعد تخرجها من برنامج البورد، انتقلت للعمل في وحدة الحساسية والمناعة التي كنا نعمل فيها معًا، حيث كانت أخصائية الوحدة. ومنذ اليوم الأول، كانت مثالًا للطبيبة التي تجمع بين الأخلاق المهنية والقدرة العلمية والقوة الإكلينيكية. ولم نكن نثق بها ونعتمد عليها وحسب، بل كنا نُسند إليها الكثير من الملفات الدقيقة، لأنها كانت تمتلك بصيرةً في الدقّة والتشخيص، وتفهمُ تعقيدات الحالات السريرية فهمًا يتجاوز حدود التقييم التقليدي وينفذ إلى جوهر المشكلة.
وكانت من شدّة كفاءتها وثقتي بعملها أعتمد عليها في تغطية بعض حالات الربو والحساسية في عيادتي، لما كانت تمتاز به من دقة في التشخيص، وحسن في التعامل، واطمئنان يجعل المريض وأهله يشعرون بالأمان والثقة.
تميزت الدكتورة أزهار في العيادات، ووحدة الIVIG, وحالات نقص المناعة الأولية، وحساسية الأطفال، والحالات الحرجة التي تتطلب دقة سرعة في اتخاذ القرار. وبمرور الوقت، تحولت إلى نقطة مرجعية داخل القسم—ليس فقط لأنها تتقن عملها، بل لأنها تمتلك القدرة على التواصل مع المرضى وأهاليهم بإنسانية وصدق، وعلى العمل مع الفريق بروح مبادرة ومسؤولة.
ثم بدأت رحلتها نحو التخصص الدقيق، فحصلت على زمالة أمراض الحساسية والمناعة السريرية للأطفال في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، وهي واحدة من أهم البرامج في المنطقة، فتألقت فيها كما تألقها في كل محطة. وخلال فترة التدريب، شاركت في تغطية الحالات المعقدة، وقدّمت أبحاثًا مهمة، وشاركت في مؤتمرات متقدمة، واكتسبت خبرة واسعة جعلتها في مقدمة الأطباء السعوديين المتخصصين في هذا المجال.
ولأن الطموح عند الدكتورة أزهار لا يعرف الحدود، فقد انتقلت بعد ذلك إلى أحد أهم المراكز العالمية في التخصص: مستشفى SickKids في جامعة تورنتو - كندا، 2023-2025، وهو مستشفى يُعَدّ من أقوى المؤسسات الطبية عالميًا في طب الأطفال والمناعة والجينات. حيث حصلتُ على زمالة اختصاص المناعة والحساسية لدى الأطفال من جامعة تورنتو، مستشفى الأطفال SickKids, في تورنتو؛ وفي هذا المكان الذي لا يصل إليه إلا النخبة، برزت كذلك، وقدّمت خلاله علمًا وبحثًا وإنجازًا مشهودًا، وشاركت في حالات معقّدة من أمراض نقص المناعة الأولية، وزرع الخلايا الجذعية، ومتلازمات المناعة الذاتية النادرة، وقدّمت أبحاثها في محافل علمية مرموقة.
دقة عملها، قدرتها على التحليل، أخلاقها المهنية، والتزامها العظيم تجاه مرضاها وزملائها—كلها عوامل جعلتها تحظى باحترام الجميع، من الاستشاريين والباحثين إلى المتدربين والموظفين. ولهذا لم يكن غريبًا أن تنال أبحاثها جوائز وشهادات تكريم، منها حصول بحثها حول أثر كوفيد -19 على مرضى نقص المناعة الأولية على المركز الأول كأفضل ملخص بحثي في مؤتمر PID الدولي.
ولا تقتصر مسيرة الدكتورة أزهار على الطب الإكلينيكي فحسب، بل إنها تمتلك عقلًا بحثيًا فذًا. قدمت أبحاثًا في الجينات المناعية، المناعة الذاتية، نقص المناعة، والأمراض النادرة، وأسهمت في تقدم المعرفة الطبية في مجالها. وتحتفظ سيرتها المهنية بقائمة طويلة من الحالات البحثية المنشورة والمقبولة، مما يزيد من قيمتها العلمية ويجعلها واجهة مشرّفة للمملكة.
• عضو في الجمعية السعودية للحساسية والربو والمناعة.
• عضو في الأكاديمية الأوروبية للحساسية والمناعة السريرية «EAACI».
• عضو في الجمعية الكندية للحساسية والمناعة السريرية «CSACI»
بصمتها الأكاديمية ودورها الملهم في تدريب الجيل الطبي الجديد:
وتتميز الدكتورة أزهار كذلك بقدرتها على التعليم والإشراف الأكاديمي. فهي ليست طبيبة فقط، بل معلّمة مؤثرة، تدرب الجيل الجديد من الأطباء على تقوية الجانب الإكلينيكي لديهم، وعلى الأسلوب العلمي الدقيق، وعلى كيفية رؤية المريض كإنسان قبل أن يكون حالة. كانت دائمًا قدوة، ليس فقط في المهارة، بل في الأخلاق والتواضع والاحترام.
كما أن حضورها الإنساني جزء لا يتجزأ من نجاحها؛ فهي هادئة، منظمة، دقيقة، وتتعامل مع المرضى بروح من الرحمة والاحترام، مما جعل الأهالي يثقون بها ثقة كبيرة، ويشعرون بالاطمئنان بمجرد دخولها إلى العيادة.
أشهد شخصيًا أنها من أكثر الأطباء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وأن لديها قدرة واضحة على علاج الحالات المعقدة، وعلى اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة الحرجة، وأن قوة أدائها ليست صدفة، وإنما نتيجة مخزون ضخم من المعرفة والتدريب والخبرة والتفاني.
د. أزهار نموذج وطني مُلهِم ومسيرة عالمية مشرّفة في طب المناعة للأطفال:
اليوم، وبعد هذه الرحلة الغنية الممتدة بين الرياض، الأحساء، SickKids في كندا، أصبحت الدكتورة أزهار واحدة من أبرز الطبيبات السعوديات في تخصص الحساسية والمناعة السريرية للأطفال، واسمًا يشرّف المملكة في المحافل العلمية، ونموذجًا يحتذى به لكل طبيب سعودي يطمح للوصول إلى العالمية.
إن سيرة الدكتورة أزهار الشقاق ليست مجرد قائمة شهادات، بل هي قصة إلهام لطبيبة آمنت بأن النجاح الحقيقي يُصنع كل يوم—بين مريض تراه، وورقة بحث تكتبها، ومحاضرة تقدّمها، وحالة معقدة تنقذها. وهي بحق تجسيد للطبيب الذي يجمع بين العلم العميق، والخلق الرفيع، والمهارة السريرية الدقيقة.
اللهم بارك للدكتورة أزهار في علمها وعملها، واجعل عطاءها نورًا يهدي قلوب المرضى ويخفّف آلامهم.
اللهم افتح لها أبواب التوفيق حيثما توجّهت، وامنحها سكينةً تسكن بها روحها بعد كل جهد، واجعل ما تبذله من رحمةٍ وخدمةٍ لعبادك في ميزان حسناتها يوم تلقاك.













